أخبار العالم

الدكتور : صبري صيدم .. لا انتصار دون وحدة وطنية!

نتهت المعركة، لكن حربنا على الاحتلال ما زالت مستمرة، طالما أن السجان ما زال هو ذاته، الذي يقف عند بوابات غزة وعلى أرضنا في الشيخ جراح وباب العامود والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وزنازين الأسر، والحدود ونقاط التفتيش وأبراج المراقبة، وجدار الفصل العنصري والمستوطنات والمحميات الطبيعية، ومعسكرات الجيش ومصادر المياه والطاقة وشبكات الاتصالات والكهرباء وحقول الغاز، والقائمة تطول.

أما بالنسبة لانتصاراتنا التاريخية، وأياً كانت مخرجات الحرب الأخيرة على الشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر، فإن النصر الناجز في معركة مواجهة الاحتلال، سيتحقق حتماً بوحدة الحال الفلسطيني والوصول إلى مصالحة حقيقية مستدامة. هذا ليس تقليلاً من دور أحد ولا من قدرة أحد، وإنما حقيقة أثبتها التاريخ في معارك الشعوب.

لا حرية ولا انتصار يتحقق قبل أن تستطيع الشعوب بتركيبتها العرقية والتاريخية والوجدانية أن تصل إلى لملمة صفوفها، وتوحيد كلمتها، لإنجاز استقلالها وخلاصها من المحتل، حتى أن محاولة دمج الشعوب مع عرقيات وهويات أخرى لم تنجح، إلا في الإصرار على العودة إلى استقلالها المستند إلى هويتها ولغتها وتاريخها وإرثها، تماماً كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي والاتحاد اليوغسلافي السابقين، وغيرهما الكثير من الشواهد.

وحتى لا يعيد أحدهم تذكرينا فوراً بمقولتنا العربية الشهيرة «قولوا لحالكم» فإنني أعود وأقول إن الوحدة فعلاً إنما هي مسؤولية الجميع الفلسطيني بكل تفاصيلها، ليس فقط لما تقدمه من قوة ذاتية حقيقية، وإنما لما تحققه من إسهامات بشرية نوعية في توظيف طاقة المجتمع في إنتاج العلم والمعرفة، وتحقيق المنفعة العلمية والإبداعية الأكبر. فشعب الجبارين الذي عرف بعلمه وحضارته وقدرته على بناء دول أخرى، لن يبخل بتقديم أكثر صور التقدم إشراقاً، إن تحققت وحدته الوطنية واستقلاله، وامتلك المساحة الفكرية التي يريد، بعيداً عن الاحتلال والقتل والدمار والحروب والموت وطمع الطامعين.

فحمم غزة، ونيران الضفة، وصمود القدس، ومواجهات الأقصى، وثبات الشيخ جراح وعناد كنيسة القيامة، وحراك اللد، وإصرار الضفة ومظاهرات العالم ومواقف الشعوب، وما صاحب هذا كله من انتفاضات حدودية ومواقف دولية عارمة وداعمة، كانت كفيلة لتقول للعالم إن الفلسطيني لم يمت، رغم احتلال إسرائيلي مجرم، وخذلان عربي مؤلم، وتقاعس دوليٍ فاقع، ونكران أمريكي مطبق وتراخٍ أممي مضنٍ، بل لتؤكد بأن شعب فلسطين ما لان، وما حاد وما نسي ولا باع.

من البحر إلى النهر قدّم الفلسطيني مدرسة جديدة في توازن الحضور والتأثير والرعب، بل ساهم وفي أيامٍ محدودة في تسطيح منظومة الجيش، الذي لا يقهر وليثبت أن هذا الجيش ما هو إلا نمر من ورق، استفرد واستمرأ وتطاول، واحتل وصادر وقتل وسجن، وشرد وطرد وهجّر، وسرق وتجبر، لأنه وجد من ارتجف أمامه فطبّع، وباع وخان وتواطأ، وتنازل وانقلب، وتراجع وانهزم وانكسر، وركع وانذّل وهان أمام مؤامرات الاحتلال، وما حاكه من حرب نفسية وإعلامية كبيرة على مدار عقودٍ طويلة.

اليوم لا بد من خطاب التلاحم للراغبين بالتحرير، حتى لو لم يكن الحب والود والثقة مجتمعين هو ما نملكه جميعاً، علّ الأيام تحقق وئاماً أولياً يتماسك ويتعاظم ويتطور في كل يوم من أيام النتائج والنجاح.

وعليه فإن الحوار الفلسطيني- الفلسطيني لا بد وأن يكون سيد الموقف، وأن لا تعطى الفرصة للموتورين والمحرضين ودعاة الفتن، لا عبر المساس بالرموز الوطنية ولا استمرار وتيرة التراشق والاتهام وتوظيف الجهود في غير مكانها.

لا بد لنا من انتصار قائم على التحرير الكامل، بعد أن انتهت معركة الأمس واستمرت حرب الشعب الفلسطيني على محتليه الباقين على صدورنا.

ولذلك لا بد من المضي قدماً نحو الأمام، بما يراعي كل الاعتبارات السياسية، عبر حكومة يتحالف فيها الجميع، وصندوق اقتراع بضمانات دولية تحقق مشاركة القدس، ويضبط قانون انتخابات محكم بعده الوطني، وبإنعاش متسارع لمنظمة التحرير الفلسطينية لتبقى الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، شعب الجبارين، ليكون التحرير والاستقلال الهدف والواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى